بين الإفلاس المادي.... والإفلاس العلمي!
من المتفق عليه بين أرباب العقول السليمة، أنه كلما كثرت نفقات الشخص؛ كلما احتاج إلى تكثير الدخل، أو مصادره.
أما أن يفتح الإنسان على نفسه أبواباً متعددة للنفقة، وهو لا يملك إلا مصدراً محدوداً لدخله، لا يعمل على تنميته، أو إضافة باب آخر إليه= فهذا يوشك أن يفلس، حتى وإن كان يملك الكثير.
ولذا قالوا في المثل المصري: "خد من التل= يختل".
قريب من حالة الإفلاس المادي هذه: حالة الإفلاس العلمي.
فهذا الذي أوتي علماً، قلّ أو كثر، ويعدد من مصادر إنفاقه، بين محاضرات، ودورات، وتسجيلات، وتصنيفات، دون تنمية لمصادره، أو تنويع لها= يوشك أن يفلس!
ومن فضائل أحد شيوخنا ومزاياه: أنه مع كبر سنه، وتعدد بيوته، وكثرة انشغالاته ونفقاته العلمية والدعوية= لا يفرط في أهم مصدر من مصادر دخله العلمي؛ وهو: نقاشه العلمي مع طلابه، واطلاعه على أبحاثهم.
وأذكر أن أحد إخواني الكبار في هذا الباب، والذي أدين له بكثير من الفضل والفهم؛ ظهر في وقت من الأوقات في بعض البرامج، وعلى إثرها كان يجمعنا لقاء، فكان مما ذكره: أنه إذا استمر على تلك الحال من النفقة العلمية؛ يوشك بعد عام أو عامين أن ينضب مخزونه!
هذا، مع شهادتي ومن معي له بسعة الاطلاع، وكثرة المخزون، ونهمة النظر.
وقد كتب أحد المتخصصين في علوم الشرع عبارة منذ فترة، حاصل خراجها: أن عليك أن تقرأ عشر صفحات لتكتب سطراً واحداً!
ونبينا صلى الله عليه وسلم كان مصدر تلقيه واحداً، وهو: الوحي الإلهي -بكافة أشكاله- وكان أسخى الناس وأجودهم بعلمه وماله ونفسه، فلعله من هذا الباب، أمره الله أن يطلب الزيادة من العلم؛ لا خشية التوقف أو الإفلاس معاذ الله، وإنما ليزيد عطاؤه للمؤمنين، فقال له: {وقُلْ ربِّ زدني علماً}.
وقد تم له ذلك إلى آخر عمره؛ فقال أنس: «إن الله تعالى تابع على رسوله صلى الله عليه وسلم الوحي قبل وفاته، حتى توفاه أكثر ما كان الوحي».
خلاصة هذا -لنفسي ولإخواني- :
- الحذر من فتح أبواب النفقة، قبل الاستعداد بمصادر الدخل المناسبة لهذه الأبواب؛ وإلا فالإفلاس والافتضاح، يعقبه النفور والانفضاض.
- الحذر من فتح أبواب النفقة، قبل الاستعداد بمصادر الدخل المناسبة لهذه الأبواب؛ وإلا فالإفلاس والافتضاح، يعقبه النفور والانفضاض.
- أنت أدرى بنفسك ممن حولك، فلا تغتر بزخرف قولهم، ومعسول كلامهم، وتزييف عروضهم؛ مثل:
(درس كمان مش هيفرق معاك ياشيخ، انت محتاج تحضر بردة! أمال مين يطلع ع القنوات لو حضرتك ماطلعتش؟) إلى آخره.
(درس كمان مش هيفرق معاك ياشيخ، انت محتاج تحضر بردة! أمال مين يطلع ع القنوات لو حضرتك ماطلعتش؟) إلى آخره.
- الكلام الأعمق أثراً، والأكثر نفعاً، والأطول بقاءً؛ يلزمه إعدادٌ جيد، وتأنّ وتهيئة، مع تضرع لله عز وجل أن يرزق الإخلاص، والفهم، والتوفيق.
وفي زماننا من يمكث سنة كاملة ليخرج محاضرة وخطبة، ومن يدفع للناس في الأسبوع الواحد سيلاً من المحاضرات، والخطب.
والأثر والفارق بيّن لأرباب العقول، والتوسط محمود ومطلوب.
وفي زماننا من يمكث سنة كاملة ليخرج محاضرة وخطبة، ومن يدفع للناس في الأسبوع الواحد سيلاً من المحاضرات، والخطب.
والأثر والفارق بيّن لأرباب العقول، والتوسط محمود ومطلوب.
- لست ملزماً أن تتكلم في كل الأبواب والفروع، لكن ما وُفقت وهُديت إليه: فلا تقصر فيه، ونوّع في عرضه وتقديمه، حتى وإن لم تفارقه.
وأنت ترى المرأة الطاهية البارعة كيف تستطيع أن تطعم أهل بيتها من البطاطس شهراً كاملاً دون أن يملوا، بتغيير شكلها يوماً بعد يوم (محمرة، مطبوخة، شيبسي، بوريه،......).
وأنت ترى المرأة الطاهية البارعة كيف تستطيع أن تطعم أهل بيتها من البطاطس شهراً كاملاً دون أن يملوا، بتغيير شكلها يوماً بعد يوم (محمرة، مطبوخة، شيبسي، بوريه،......).
- وأما الذين يبخلون بعلمهم، ويكنزونه ولا ينفقون منه= فقد علموا ما قال الله في الكانزين.
"الإبداع -كما يقال في هذه الأيام- لابد له من مدد، والمدد ليس له إلا طريق واحد؛ هو القراءة الرشيدة المستمرة، ثم التأمل".
بقلم: أحمد الجابري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق